الإختصاص الجمالي والإغتراب الإجتماعي

الثقافة الاجتماعية منجم فكري عظيم، فهي تنشأ من تخصصات متنوعة ومن خبرات مختلفة، بل وفي كثير من الأحيان تمثل الثقافة الاجتماعية الطابع العام الذي يحدد الافراد او المجموعات البشرية في كونها بدائية ام متحضرة. وبغض النظر عن مفهوم البدائي والمتحضر، فإن في حضور النشاط الاجتماعي على شكل تجمعات متخصصة يكشف عن اغتراب المجتمع وعن عزلة متأصلة في بنية ثقافته الاجتماعية، بينما المشروع لا يقوم على مثل هذه العزلة للمثقفين باختصاصاتهم.
الإختصاص الجمالي والإغتراب الإجتماعي مقال لللدكتور أحمد جمعة البهادلي

الإختصاص الجمالي والإغتراب الإجتماعي

الثقافة الاجتماعية منجم فكري عظيم، فهي تنشأ من تخصصات متنوعة ومن خبرات مختلفة، بل وفي كثير من الأحيان تمثل الثقافة الاجتماعية الطابع العام الذي يحدد الافراد او المجموعات البشرية في كونها بدائية ام متحضرة. وبغض النظر عن مفهوم البدائي والمتحضر، فإن في حضور النشاط الاجتماعي على شكل تجمعات متخصصة يكشف عن اغتراب المجتمع وعن عزلة متأصلة في بنية ثقافته الاجتماعية، بينما المشروع لا يقوم على مثل هذه العزلة للمثقفين باختصاصاتهم.

فما نفع العاكفين على هذا التخصص أو ذاك، الدارسين لكبائر وصغائر مسائله وهم في عزلة اجتماعية غير منظور نتاجهم الإبداعي في المجتمع ذاته، صحيح أن المتخصص يحتاج لمثل هذه العزلة والانكفاء على الذات في البدايات الأولى لتكوين صور التخصص المعرفية ولتنمية مهاراته الفكرية والأدائية، إلا أن استمرار العزلة الاجتماعية مسألة خطيرة جداً، وقد تدفع لتكون شخصيات متخصصة بينهم وبين مجتمعاتهم قطيعة كارثية. وبالتالي تدفع مثل هذه القطيعة لاندثار التخصص والمتخصص حين تعرضه لأي حدث يمنعه من الاستمرار في ديمومة اختصاصه.

وقد يدفع العاكفين على هذا التخصص او ذاك من تكوين انساق معرفية شبه متحيزة جراء التطرف المعرفي الحاد، في تعظيم مباني التخصص لتكون هي الأرفع والأفضل والأعلى، وما سواها ادنى واقل رتبة، بينما لم يثبت في الدليل العقلي رفعة هذا التخصص على غيره من التخصصات.

لا يوجد في العالم المعرفي تخصص أقل من تخصص آخر، أو أعلى منه، أو افضل منه، طالما ان حقيقة التخصص المعرفي تنشأ من حاجات اجتماعية متنوعة، وبما أن المجتمع الكلي محتاج للطبيب والمهندس والاقتصادي والرياضي والسياسي والفنان وغير ذلك من التخصصات فإن كل حاجة في ميزانها الاجتماعي تمثل تكاملا في الصورة الاجتماعية الكلية، بل وسيدعو النقص في هذا الاختصاص أو ذاك لاستقدام متخصصين من مجتمعات مجاورة أو بعيدة.

احبائي.. لم يكن في أي يوم من أيام هذا التاريخ فن النحت أفضل من فن الرسم، ولا فن الخزف افضل من الجرافيك، وليس هناك معيارا معينا يؤكد مثل هذه الأفضلية العقلية، كما لم يكن فن المسرح افضل من التصميم، ولا فن الموسيقى أفضل من السينما، وعلينا ان نشعر جميعا بأهمية الفنون كلها، كأنموذج خطابي إنساني واحد ومتكامل في مسرح هذه الحياة، وان لا يكون الفنان متحيزا لاختصاصه الدقيق، فإن مثل هذه الجماعات المنحازة ستخسر الكثير من خبرات الاختصاص العام والاختصاص الدقيق.

وفي الوقت الذي تعاني منه التخصصات الفنية الجمالية من عزلة واضحة في بنية المجتمع، وانه حتى الان ينظر للفنان بنظرة دونية إزاء تخصص الطب مثلا او الهندسة، فإن السبب الأساسي في ذلك هو تلك القطيعة الكارثية التي عزلت التجربة الجمالية عن حضورها الاجتماعي، إذ انزوت مجاميع المتخصصين في دهاليز الاختصاص واخذت تسمو فيه من دون إزاحة للجهل والظلام في أصل العلاقة مع المجتمع.

بدأ الفن اجتماعيا، وولد من رحم الحاجات الاجتماعية، وما من حضارة في التاريخ تمثل تطلعا من تطلعاتنا إلا وقد كتبت بعناية الفنون واهتمام قنانيها بقضايا مجتمعاتهم، بينما نعيش في التجربة الجمالية قطيعة واضحة مع المجتمع ومع التخصصات القريبة المجاورة، فلا المسرحي يحضر النتاج الجمالي التشكيلي، ولا الموسيقي يحضر لمشاهد فيلما او مسرحية، بل وأكثر من ذلك، فإن الموسيقي لا يعرف عشرة فنانين تشكيليين ولا التشكيلي يعرف عشرة موسيقيين، وهكذا يعيش الفن نمطية من الاغتراب المتداخل بين اختصاص واخر، واغتراب في ذات التخصص بين الرسم والنحت والخزف والجرافيك مثلا، واغتراب مع المجتمع الكلي إذ لا يزال الفنان في أعين الناس(دنبك جي).

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

https://totoagungone.com/ https://motivasiagung.com/ https://totoagung2dua.com/ https://antartidargentina.com/ https://taichinhhieuqua.com/ https://whalebonestudios.com/ https://167.71.213.43/ https://167.71.204.61/ https://amin-toto.com/ https://cadizguru.com/ https://157.245.54.109/ https://128.199.163.73/ https://restoslot4dresmi.com/ https://hokkaido-project.com/ https://slotgacor4djp.com/ https://akb48nensensou.net/ https://bigprofitbuzz.com/